17 يناير، 2015
اللجنة الاقتصادية اليابانية المصرية المشتركة
خطاب سياسات رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي
خير الأمور أوسطها: نحو شرق أوسط مستقر مليء بالقدرة على النشاط
---- فتح صفحة جديدة بين اليابان ومصر ----
1. خير الأمور أوسطها
دولة رئيس مجلس الوزراء المهندس إبراهيم محلب،
السادة أعضاء اللجنة الاقتصادية اليابانية المصرية،
الحضور الكرام،
السلام عليكم جميعًا.
إنه لمن دواعي سعادتي الغامرة أن أتمكن من زيارة مصر التي تفخر بالتاريخ الطويل
والحضارة العريقة. هذه هي المرة الخامسة التي أقوم فيها بالزيارة إلى الشرق الأوسط
خلال السنتين الماضيتين. وهذا يعكس مدى حرصنا الشديد واحترامنا العميق لمنطقة الشرق
الأوسط.
عندما أعلنت قبل عامين في جِدَّة سياسات اليابان الجديدة تجاه الشرق الأوسط، أشرت
إلى التسامح، أي روح الانسجام والسلام بالإضافة إلى التعايش والتعاون، كفكرة قيادية
في سياساتنا. وحتى الآن، أقوم بتطبيق هذه السياسات على الأرض ملتزما بهذه الأفكار.
وفي هذه المرة، تلفت نظري حكمة للناس القدامى في هذه المنطقة تقول: "خير الأمور
أوسطها".
"خير الأمور أوسطها." فهناك قواسم مشتركة في نمط الحياة الأساسي يربط بقوة بين
اليابان والشرق الأوسط، لأن كلاً منَّا يولي أهمية للتقاليد والاعتدال.
لماذا تستحق هذه الحكمة أن تُسلّط عليها الأضواءُ الآن؟ الإجابة تكمن في إحساسنا
بالخطر من تنامي الأفكار المتطرفة واستمرارالاضطرابات الإقليمية التي تصيب الشرق
الأوسط في الوقت الحالي.
2. اليابان تواكب الشرق الأوسط
من نافلة القول أن استقرار منطقة الشرق الأوسط هو الأساس في السلام والازدهار، ليس
لليابان فقط، بل وللعالم كله. إذا تركنا انتشار الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل في
هذه المنطقة، فستصيب المجتمعَ الدولي خسائرُ جسيمة لا تُحمَد عُقباها.
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية و إلى يومنا هذا، بنينا دولة تحترم الحرية
والديمقراطية وحقوق الإنسان وحكم القانون، واستمررنا في المضي قدما كدولة سلمية.
والآن ترفع اليابان راية جديدة لـ"المساهمة الإيجابية في السلام بناءً على التعاون
الدولي" وهي مصممة على تحقيق سلام واستقرار العالم من خلال تجربتنا وحكمتنا
وقدرتنا.
فـأرجوكم أن تفهموا مدى حرصنا الشديد على استقرار الشرق الأوسط ورغبتنا الحقيقية في
بذل الجهود لتحقيق هذا الاستقرار.
وبناء على هذه الفكرة، قدمت حكومة اليابان وعودًا قبل عامين بتقديم مساعدات للشرق
الأوسط كافة قيمتها تعادل 2.2 مليار دولار. ويسعدني أن أبلغكم أنه تم بالفعل تنفيذ
هذه المساعدات بالكامل حتى الآن.
إن استعادة الشرق الأوسط المستقر المبني على فكرة "خير الأمور أوسطها" والمليء
بالديناميكية والذي يعيش فيه الناس بأمان وسلام هي الغاية التي يهدف إليها التعاون
الياباني، وهذا هو الأمر الذي أتمنى بقوة أن يعرفه الجميع في مصر والشرق الأوسط.
وعند استعادة الاستقرار الاجتماعي وتفعيل الوسائل المؤدية إلى التطور، سيكون
بالتأكيد باستطاعة مصر والشرق الأوسط إظهار الإمكانية الهائلة التي لديهم. وفي
جهودكم نحو تحقيق هذه الأهداف، آمل أن تظل اليابان تواكب مصر دائما.
وهنا أقطع وعدا من جديد. ستقدم اليابان للشرق الأوسط كافة المساعدات في المجالات
غير العسكرية، مثل المساعدات الإنسانية ومساعدات تحسين البنية التحتية وغيرها
قيمتها قرابة 2.5 مليار دولار.
3. نحترم جهود مصر
الحضور الكرام، قبل مغادرتي اليابان هذه المرة، نظرت إلى صورة قديمة وهي صورة
التقطها بعض اليابانيين لأول مرة أمام أبو الهول في الجيزة قبل 151 عامًا،
وبالتحديد في 4 أبريل عام 1864.
وظل اليابانيون معجبين خلال القرن ونصف القرن الماضيين بتاريخ مصر، وهو أقدم وأعرق
بأضعاف المرات من تاريخ اليابان. الشعب المصري مخلص وجدّي يصنع بالصبر منتجات ذات
نوعية عالية، وهو يؤمن بقيمة العمل ويفخر بما ينجزه من النتائج. هكذا يتحلى الشعب
المصري بمعنوية عالية فيما يتعلق بالعمل. ولذلك، فإنه من دواعي سعادتنا وسرورنا أن
نتعاون معكم في مشروع إنشاء المتحف المصري الكبير (GEM) والجامعة المصرية اليابانية
للعلوم والتكنولوجيا (E-JUST).
كما يعرف جيدا دولة رئيس مجلس الوزراء المهندس محلب، يسمي جميع المصريين مستشفى
الأطفال التي تم إنشاؤها بمساعدات اليابان بـ"مستشفى اليابان". وكذلك يذكر جميعكم
أن جسر قناة السويس تم بناؤه بمساعدات اليابان. ونحن نفخر بكل هذه الأمور.
ولذلك، ظلت الصداقة تربط بين اليابان ومصر.
إن مصر الصديقة لنا تبذل جهودا جبارة نحو تحقيق الاستقرار. إذا كانت مصر دولة تتمتع
بالسلام والرخاء ويعيش فيها الشعب بأمان، فحتما سيزدهر الشرق الأوسط بقوة. وبناء
على الوعي بهذه المسؤولية، أنتم - يا أيها الشعب المصري - تبذلون جهودا، خطوة تلو
الأخرى، نحو إنشاء الديمقراطية بشكل يتناسب معكم، بناءً على التاريخ الطويل
والتقاليد الممتدة وانطلاقا من فكرة "خير الأمور أوسطها". وإنني أدعم مثل هذه
الجهود المبذولة من قبل بلدكم.
فنيابةً عن الشعب الياباني، دعوني أصفق من صميم قلبي تحيةً لجهودكم الثمينة.
4. وعود اليابان
الحضور الكرام، فقد آن الأوان لنضيف صفحة جديدة إلى قصة الصداقة الطويلة التي
كتبناها معاً.
إذا استقرت مصر، فسوف يستقر الشرق الأوسط ويزدهر بشكل كبير. وأتمنى من قادة الأعمال
المرافقين لي أن يقوموا بتعزيز علاقاتهم مع مصر بصورة أكثر نشاطا على أساس هذه
الروح.
ولا تدخر اليابان أي جهد لدعم أنشطتهم.
إن اليابان تساعد على مشروع توسيع مطار برج العرب الدولي الذي يناسب موقعه الجامعة
المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا (E-JUST) ويقع أيضا بالقرب من المناطق
الصناعية الواعدة. وهذه المرة، من أجل هذا المشروع ومشروع تحسين شبكة توزيع
الكهرباء، سنقدم قروضا ميسرة بالين قيمتها تعادل 360 مليون دولار.
وستقدم اليابان أحدث التكنولوجيا الصديقة للبيئة خدمةً لمشاريع البنى التحتية للنقل
بما في ذلك مترو القاهرة والطاقة المتجددة وإنتاج الكهرباء بالطاقة الحرارية. وذلك
من أجل دعم تطوير مصر، وبالتالي لتوسيع أسس الاستقرار المتينة في جميع أنحاء الشرق
الأوسط.
سأشرح لكم ما أحاول أن أفعله من الغد تحقيقا لهذه الأهداف.
سوف أتوجه إلى عمّان حيث سأعلن عن دعمنا الثابت للأردن الذي يقف أمام أوضاعٍ
مضطربة. وسأعبر عن تقديري الخالص لجهود جلالة الملك عبد الله الثاني في سبيل تأكيد
التسامح بين الأديان المختلفة.
وفي فلسطين، سأعلن عن مساهماتنا التي تخدم استقرار معيشة الشعب مثل مساعدات الرعاية
الصحية وتحسين شبكة توزيع المياه ومساعدات إلى اللاجئين في الضفة الغربية وقطاع
غزة.
إننا نقدم مساعدات للنازحين واللاجئين في العراق وسوريا ومساعدات لتركيا ولبنان
وذلك من أجل وقف والتقليل من التهديدات التي يسببها تنظيم داعش (ISIL) بقدر
المستطاع. وأعد بتنفيذ مساعدات تبلغ قيمتها قرابة 200 مليون دولار للدول المجاورة
المواجهة لتنظيم داعش ISIL بما في ذلك التنمية المتواصلة للموارد البشرية وتحسين
البنية التحتية.
وإن العراق حتما بحاجة إلى وجود حكم مستقر في ظل حكومة وفاق وطني تضم جميع الأحزاب
والأطراف. و سوف تواصل اليابان دعم هذه الجهود.
ومن أجل نزع جذور العنف، لا يمكن أن نجد أي طريقة سريعة إلا عن طريق تحقيق استقرار
معيشة الشعب وتنمية الطبقة الوسطى، مهما استغرق ذلك من الوقت. إن "خير الأمور
أوسطها". أعتقد أن لليابان دورًا كبيرًا يجب أن تلعبه في هذا الشأن.
5. اليابان وعملية السلام في الشرق الأوسط
الحضور الكرام، يؤلمنا جميعا ما وصلت إليه عملية السلام في الشرق الأوسط في ضوء
أوضاعها الحالية وما تواجهه من الصعوبات.
ومن أجل إحراز تقدم في سلام الشرق الأوسط، تؤمن اليابان أنه لا بد من بناء علاقات
الثقة والتعاون والحوار التي تشمل دول الجوار، ولذلك اقترحت اليابان قبل 9 سنوات
مشروع إقامة "ممر السلام والازدهار" في الضفة الغربية لنهر الأردن. إن ما نتمناه من
صميم قلوبنا هو أن يُنمِّي هذا المشروع الثقة بين جميع الأطراف المعنية في المنطقة،
وهذه الثقة هي كنز أهم من أي شيء آخر في تحقيق سلام هذه المنطقة. ولذلك، تواصل
اليابان العمل على تنفيذ هذا المشروع بالتعاون مع كل من إسرائيل وفلسطين والأردن.
أما مشروع "منطقة أريحا الزراعية الصناعية" الذي يعد نواة لهذا الممر، فقد أبصر
النور. وسأزور موقع هذا المشروع لأراه بأم عينيّ. وفي وقت ليس ببعيد في المستقبل،
ستكتسب المنتجات الزراعية الصناعية في منطقة أريحا قيمة مضافة وستتجه عبر هذا الممر
إلى مناطق الاستهلاك في الدول المجاورة ومنطقة الخليج.
ويمكن أن يتطور "ممر السلام والازدهار" إلى طريق لسياحة ضخمة. فلنعمل من أجل أن
نجعل فلسطين موقعًا ينتعش بالسياحة. إن اليابان يسعدها أن تتولى دور الوساطة
والتحفيز (catalyst) في هذا الأمر.
وقد قامت حكومة اليابان باستمرار عبر 18 عامًا منذ عام 1997 بدعوة الشباب من كلا
الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني لبرنامج الزيارة المشتركة إلى اليابان.
وعندما جاءني هؤلاء الشباب، علمتهم كلمة مشهورة لأحد الأمراء الإمبراطوري الياباني
شوتوكو تايشي. حيث أنه قال: "من المهم احترام الانسجام بين الناس".
فقد تمنيت أن يصبح هؤلاء الشباب في المستقبل ممَّنْ يتحملون مسؤولية السلام على
عاتقهم. وسأجتمع مع خريجي هذا البرنامج خلال زيارتي هذه.
إن اليابان تؤمن بأنه سيأتي يوم تستطيع فيه اليابان الاعتراف بدولة فلسطين. ولتعجيل
قدوم ذلك اليوم، تطالب اليابان كلا الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني باستئناف
المفاوضات من أجل تحقيق تقدم فيما يسمى "حل الدولتين".
وأرجو أن تتذكروا أيضًا "مؤتمر التعاون بين دول شرق آسيا من أجل التنمية الفلسطينية
(CEAPAD)".
إن اليابان التي تعافت من دمار الحرب، ودول جنوب شرق آسيا التي حققت نموًا
اقتصاديًا كبيرًا عبر جيل واحد فقط ، تمتلك خبرات وحكمة وافرة من أجل تقديم مساعدات
لفلسطين. وبدأ هذا المؤتمر بمبادرة من اليابان حتى تقدم كل دولة مشاركة ما تقدر
عليه من المساعدات.
إن بناء الثقة شيء لا بد منه من أجل السلام في الشرق الأوسط. وظلت اليابان حريصة
على مواصلة التعاون الطويل النفس من أجل بناء الثقة. وأؤكد أن اليابان مصممة على
مواصلة العمل بشجاعة، طالما يكون هناك دور تلعبه.
6. التعايش والازدهار معًا والتعاون والطريقة الوسطى
إن منطقة الشرق الأوسط لديها إمكانيات هائلة مخفية. ورغم ذلك، قد لا أبالغ إذا قلت
إن الظروف التي تحيط بهذه المنطقة حاليا تعتبر من أكبر التحديات التي تعرضت لها في
تاريخها الحديث.
ولكن، بل لأن الوضع كذلك، أود أن أكرر في الختام، "خير الأمور أوسطها".
إنني أقدم خالص تقديري واحترامي لجهودكم الجبارة التي تشقون بها الطريق نحو تحقيق
استقرار معيشة الشعب، وذلك من خلال التقدم التدريجي وليس بالراديكالية. وفي حال
يخطو الشرق الأوسط هذه الخطوات العملاقة، متحليا بفكرة التسامح والطريقة الوسطية
وليس بالحقد، عندئذٍ سيتبارك العالم بأكمله.
وتعد اليابان بمواصلة عملها بكل طاقة ممكنة وبالحكمة اللازمة في مجال تقديم الدعم
حتى تساهم في تحقيق التعايش والازدهار والانسجام والتسامح من خلال التعاون، كذلك
لنشر الطريقة الوسطية.
ولذلك قلت إنه يجب على اليابان ومصر فتح صفحة جديدة.
تحيا الصداقة بين اليابان ومصر، وبين اليابان والشرق الأوسط.
شكرًا جزيلًا.