Speech of Dr. Mohamed Selim
( Former Director of Center for Asian Studies, Cairo University )
Page (5)
أما الإشكالية الثانية فتتعلق
بتحديد من يمثل الحضارات في الحوار . فقد سبق أن أشرنا إلى أن
الحضارات تتسم بعدم التجانس نظراً لأنها تتخطى وتنتقل عبر الأمم .
ومن ثم ، فإن تحديد من يمثل الحضارة متعددة الأمم (كالحضارة
الأوروبية المعاصرة) هى مسألة تحكمية . وفي حالة الحضارة ذات الأمة
الواحدة (كالحضارة الصينية) ، هل يمكن القول أن النخب الحاكمة هى
التي تمثل تلك الحضارة في الحوار ، أم أنه ينبغي أن يشمل الحوار
النخب غير الحاكمة ومنظمات المجتمع المدني أيضاً . وفي حالة تعدد
التوجهات الفكرية داخل الحضارة الواحدة ، ما هو التوجه الفكري الذي
ينبغي أن يقود الحوار بالنيابة عن الحضارة التي يمثلها ، وكيف يمكن
خلق تشكيلة من الاتجاهات الفكرية المتعددة ، والفئات الاجتماعية
المختلفة (نخب حاكمة وغير حاكمة ، نخب ومنظمات مجتمع مدني) للانخراط
في حوار الحضارات والواقع أن معضلة حوار الحضارات التي تمت حتى الآن
هى طابعها النخبوي الرسمي ، والذي لا تكاد الحضارات تشعر بتأثيره .
وأخيراً ، فإن هناك إشكالية ثالثة تتعلق بالشروط التي يتم في ظلها
الحوار الراهن أو المتوقع بين الحضارات . فالحضارة الغربية تتسم
بتفوقها العلمي والتكنولوجي على حضارات العالم الثالث . ومن ثم ، فهى
في موقع يسمح لها بالسيطرة على أجندة حوار الحضارات بحكم أنها هى
التي تقدم المساعدات للأخيرة . وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي ساد
الحضارة الغربية شعور عام بالتفوق الشامل انعكس في شكل استراتيجيات
للترويج للقيم الغربية في كل المجالات واعتبارها القيم الوحيدة
المقبولة كأساس للتعامل الدولي ، وهو ما تمثل في مقولة "نهاية
التاريخ" . وهو ما يعني أنه مع انتصار القيم الغربية ، فقد وصل
التاريخ إلى منتهي تطوره ، حيث لا قيم أخرى بعد القيم الغربية . وفي
هذا الإطار ظهرت مقولة الصدام بين الإسلام والغرب ، وثارت التساؤلات
في الغرب عن مدى اتساق الإسلام مع القيم الديمقراطية، باعتبار أن
شرعية الإسلام ، في المنظور الغربي ، إنما تستمد من انسجامه مع القيم
الغربية ، وليس مع القيم التي يقدمها لذاتها . وقد ازداد هذا التوجه
، مع أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة ، حيث تم توظيف تلك
الأحداث لتأكيد الهيمنة الأمريكية على النظام الدولي وبدأت الولايات
المتحدة اتباع استراتيجية جديدة أساسها الضغط على القوى الأخرى لقبول
تلك السيطرة ، والإذعان للرؤى الأمريكية للعلاقات الدولية ،
والانفراد بالتصرف ، والتدخل في شئون الدول الأخرى لإحداث تغييرات
تتفق والاستراتيجية الأمريكية . من المؤكد أن هذا المناخ الدولي يجعل
من عملية حوار الحضارات عملية صعبة . فحوار الحضارات يفترض التكافؤ
والندية بين المتحاورين ، بينما القطبية الأحادية تنفي هذا التكافؤ .
والواقع أن عدم التكافؤ الذي يميز المناخ المحيط بحوار الحضارات لا
ينبع فقط من سعى الحضارة الغربية نحو السيطرة ، وإنما أساساً من
التفوق النسبي للحضارة الغربية على غيرها من الحضارات بحكم تخلف
الأخيرة في ميزان القوى الشامل . (8) و من ثم ، فإن الحوار لا يمكن
أن يكون متكافئاً حتى ولو لم تسع الحضارة الغربية نحو السيطرة .
Page01
Page02
Page03
Page04
Page05
Page06
Page07
Page08
Page09
Page10
Page11
Page12
Page13
Page14
Page15 |